مواقع أخرى

   
المشنوق في ذكرى جبران تويني
Bookmark and Share


12/19/2015 7:05:36 PM

 

-      فرنجية رشّح نفسه لرئاسة "الواقعية السياسية" الصادقة

-      جبران حاضر بشجاعته العابرة للطوائف

-      المبادرة السعودية تضع اعتدال الدول في مواجهة التطرّف ديناً ودنيا

-     لبنان يلتزم تعريف جامعة الدول العربية وميثاقها للإرهاب

 

 

أكّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن "سليمان فرنجية رشّح نفسه لرئاسة الواقعية السياسية الصادقة" وأنّ "المبادرة السعودية تضع اعتدال الدولة في مواجهة التطرف، ديناً ودنيا".

وشدّد في كلمة ألقاها في ذكرى اغتيال جبران تويني في فندق "مونرو" وسط بيروت، وبدعوة من "منظمة الطلاب في حزب الوطنيين الأحرار"، على "التزام لبنان بتعريف جامعة الدول العربية، في ميثاقها وقراراتها، للإرهاب لأنّ الدول العربية تعرف خصوصية لبنان"، قائلا إنّه "لا داعي للمبالغات في هذا الصدد" باعتبار أنّه "لا يمكن لدولة غابت عن الحلف الإسلامي ضد الإرهاب أن تكون منه ما دامت جزءًا من الاشتباك الإقليمي".

ونفى أن تكون التسوية الرئاسية "خيانة للشهداء" قائلا: "هناك خطأ شائع تكرر ويتكرر كثيراً في الأسابيع الفائتة، وهو خطأ بالمناسبة ملازم لكل التسويات في الدول والمجتمعات التي تشهد صراعات أهلية، ويتعلق بفكرة التخلّي أو بعبارة أبسط خيانة الشهداء"، وأكمل: "الشهداء، ومنهم جبران تويني، لا يسقطون من اجل إدامة الصراع والاشتباك. يسقطون من اجل البلد، وحفظه. الصراعُ وسيلتَهم وليس قضيتَهم، والشهادةُ نصيبُهم وليست مبتغاهُم. لا ينبغي ان نضيع هنا، بحيث نصبح مدمني اشتباك ومدمني صراع بإعتبار ذلك هو وصفة الوفاء الوحيدة لدماء من رحلوا". 

وأضاف المشنوق إنّه "غدا يعقد في دار الفتوى اجتماع كبير بدعوة من مفتي معتدلي العرب عبد اللطيف دريان وبحضور مفتيي مصر والأردن، وهذا دليل على بدء الشجاعة الفقهية"، قائلا إنّ "الحلف المعلن بمكّته المكرّمة وأزهره الشريف واسطمبوله العامرة يضع الدولة المعتدلة بدينها ودنياها في الصف الأول من المواجهة مع الارهاب بدلاً من حروب العصابات المتطرّفة باعتبارها الوصفة الأفضل للأحقاد والضغائن والانقسام بين أهل المذهب الواحد من جهة وبين مذهب وآخر يبحث أبطاله من الجهتين عن مزيد من الدم".  

وتابع: "ثلاث ساعات تقريباً من مقابلة فرنجية يمكن اختصارها بجملة واحدة: "لنلتقي معاً في منتصف الطريق". لم يبالغ، لم ينافق، لم يكذب، لم يتحدّى. رشّح نفسه لرئاسة الواقعية السياسية الصادقة. وأنا أقول أنّ لبنان كان وسيظل دائماً وطن منتصف الطرق. فلا شيء متاح للفوز به أمامنا اليوم، لأي جهة سياسية إنتمينا، الا الفوز بالوطن".

 

 

 

وهنا النصّ الكامل للكلمة:

 

 

مَن يصدّق أن عشر سنوات مرّت على استشهاد جبران تويني. عقد كامل. يستعيد أو تستعيد الطفل الصغير الذي سمع بإسمه عام ٢٠٠٥ قولاً لجبران او مقالاً او موقفاً او قسماً كأنه صيغ او كتب اليوم، بينما هو أو هي على أبواب التخرّج من الجامعة. 

 

ما الذي يجعل من جبران تويني، حاضراً الى هذا الحد؟ 

سيقول البعض أن مشاكلنا لم تتغير. ننتقل من وصاية الى أخرى. ونعيش في ظل دولة ثابتة بضعف المؤسسات وإهتراء الخدمات وأن الطائفية والمذهبية والتشققات الاجتماعية على حالها وأن الاقتصاد والفرص اصغر بكثير من حاجات لبنان.

الكثير من هذا صحيح. لكن ليس هو ما يجعل من جبران تويني تلك النسمة المنعشة كأنه إبن الآن. كأنه يعيش بيننا وأن الموت ليس سوى مجرد خدعة بصرية تغيّبه عن أعيننا.

جبران تويني حاضر دائماً، لأنه تحول بشخصه وسلوكه وجريدته ونشاطه السياسي والنضالي الى مرادف موضوعي لفكرة الشجاعة. 

يحتاجه السياسي ليستعير شجاعة الموقف. يحتاجه الشاب ليستعير منه شجاعة الحلم. يحتاجه الصحافي ليستعير منه شجاعة القول ووضوحه في الإنحياز الى الحق والحقيقة. يحتاجه صاحب الحاجة ليستعير منه شجاعة الغضب والعنفوان. 

 

هذا هو جبران تويني.

يعود كل واحد منا اليه في لحظة ما من يومه، كأنه هنا بيننا. بأناقته، بحضوره، بشبابه  ودائما بشجاعته. مصنع إشتباكات في الصحافة والسياسة.

كأنه هنا لكنه ليس هنا. هذا هو تعريف الحفرة العميقة في القلب التي اسمها “إشتقنالك”. الثقب الاسود في أعماق النفس، وزاوية العتمة في القلب. 

 

عشر سنوات يا جبران تَحَقّقَ الكثير وبقي أكثر، كان وسيكون صعباً تحقيقه من دونك معنا وبيننا. نتذكر قسمك عن اللبنانيين الموحّدين كلما ازدهرت بيننا الانشقاقات، وهذه لا تهدأ يا جبران. كأنها حساسية موسمية، تغيب وتعود، بثبات ومثابرة، لا سيما في اللحظات الصعبة. وهل من لحظة غير صعبة في تاريخ التجربة اللبنانية بوصفها تجربة تقوم على التسوية الدائمة والمستمرة؟ 

أنت أكثر من يعلم الاجابة عن هذا السؤال. 

 

هناك خطأ شائع تكرر ويتكرر كثيراً في الأسابيع الفائتة، وهو خطأ بالمناسبة ملازم لكل التسويات في الدول والمجتمعات التي تشهد صراعات أهلية، ويتعلق بفكرة التخلّي أو بعبارة أبسط خيانة الشهداء. 

 

الشهداء، ومنهم جبران تويني، لا يسقطون من اجل إدامة الصراع والاشتباك. يسقطون من اجل البلد، وحفظه. الصراعُ وسيلتَهم وليس قضيتَهم، والشهادةُ نصيبُهم وليست مبتغاهُم. لا ينبغي ان نضيع هنا، بحيث نصبح مدمني اشتباك ومدمني صراع بإعتبار ذلك هو وصفة الوفاء الوحيدة لدماء من رحلوا. 

 بصراحة، انا آتٍ من فريق سياسي في السنوات الثلاثين او الأربعين الماضية  له شهداء مع أهل هذا البيت، آخرهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو مع الجبهة التي كان ينتمي اليها، ومع جبهة جبران، وجبهات معظم الحلفاء في ١٤ آذار. ماذا حصل؟

 

لم نخن شهداءنا. بل حفظنا ذكراهم بمحاولة حفظ الوطن الذي ماتوا دفاعا عنه كلٌ من موقعه. 

 

أذكر ذلك لأن جبران تويني إفتتح بشجاعة إستثنائية أوسع تجربة مصالحة وطنية بعد الحرب عبر “نهار الشباب”، آتياً بالخصوم والاعداء الى صفحات النهار، ليتناقشوا ويتساجلو ويبحثوا معاً عن مشتركات تؤسس لتسويات يعلم ونعلم وتعلمون أنها ستنتهي مدتها وسنعود مجدداً للبحث عن تسويات جديدة تحل مكانها الى أن ينعم الله علينا بالمواطنة الحقيقة الكاملة الصافية. 

 

مناسبة هذا الحديث يعيدنا إلى ذكرى الرئيس الراحل كميل شمعون، الذي ذهب إلى أبعد ما يمكن في التسوية، حين تجاوز كلّ ما حصل معه ومع حزبه وذهب إلى الصفرا بعد مجزرتها.

 

تابعت كما كثيرين من اللبنانيين مقابلة الوزير سليمان فرنجية قبل يومين. ثلاث ساعات تقريباً يمكن اختصارها بجملة واحدة. لنلتقي معاً في منتصف الطريق، لم يبالغ، لم ينافق، لم يكذب. رشّح نفسه لرئاسة الواقعية السياسية الصادقة. وأنا أقول أنّ لبنان كان وسيظل دائماً وطن منتصف الطرق. فلا شيء متاح للفوز به أمامنا اليوم، لأي جهة سياسية إنتمينا، الا الفوز بالوطن. يكفي أن نراقب حجم الانهيارات والحرائق حولنا من سوريا الى اليمن الى العراق الى ليبيا، فضلاً عن الحرائق المرشحة والكامنة.

 

أعرف أنّ هذا الكلام غير شعبي ولا يثير التصفيق، لكنه جزء من الواقعية السياسية والجغرافية، فقد استطعنا خلال خمس سنوات أن نحافظ على هذا البلد وتجنيب امتداد الحريق إليه. حافظنا على مبدأ واحد وهو العمل على صيانة لبنان واستقراره وأمن اللبنانيين.

 

يكفي أن ننظر حولنا، لنقول أن الفوز بالوطن هو أهم جائزة نهديها لجبران في ذكراه العاشرة، فلا نذهب الى هدم كل الاعمدة لأننا معترضون على صلاة من يشاركنا الهيكل. 

اذا كان من قيمة للبنان، فهي أنه بلد لإنتاج المعاني. يعطي لبنان معنىً لكل شيء، مهما بدونا اليوم غارقين في مشاكل تُخجِلنا من أنفسنا. 

 

والمعنى الذي ينتجه لبنان في هذه المرحلة الدقيقة من عمر المنطقة هو هذه القدرة على عدم الإنهيار وفي الاداء الجاد للبنانيين الرافضين الانجرار الى الاقتتال رغم كل الاسباب المحرضة على ذلك. 

 

ليست بسيطة هذه الشعبية للخيارات السلمية للبنانيين، وتحديداً عند جمهور إنتفاضة الاستقلال، ورفضهم الواعي الانجرار الى الحروب الاهلية المزدهرة. 

 

تابعنا في اليومين الأخيرين أنّ دول ذات أغلبيات اسلامية تتهيّأ لأوّل مرّة، بمبادرة سعودية، لتصدّر الحرب على الارهاب التكفيري، وهذا حدث كبير في العقل السياسي والاستراتيجي للمسلمين. وسيتوازى ذلك مع معارك فكرية وفقهية واعلامية، على قاعدة ما أسميته دائماً “الشجاعة الفقهية”، لتنقية الثقافة الاسلامية من رواسب وطفيليات يستغلها الارهاب لإنتحال صفة الشرعية وإسباغها على جرائمه.

 

غدا يعقد في دار الفتوى اجتماع كبير بدعوة من مفتي المعتدلين الشجاع الشيخ عبد اللطيف دريان، وبحضور مفتي مصر ومفتي الأردن، وهذا دليل على أنّ العمل بدأ بمسيرة الشجاعة الفقهية.

لا مبرّر للمبالغة في ظل وجود بطولات لمواجهة الحلف ضد الإرهاب. وهنا أقول إنّه لا يمكن لدولة غابت عن هذا الحلف أن تكون منه ما دامت جزءًا من الاشتباك الإقليمي. فلبنان له خصوصية، والدول العربية تعرف خصوصية لبنان، وبناء على هذه الخصوصية يلتزم لبنان تعريف جامعة الدول العربية، في ميثاقها وفي قراراتها، لعنوان الإرهاب".

وكما نجحنا في لبنان أن نواجه باعتدال الدولة، الإرهاب ورموزه بدلاً من تطرّف مذهب في مواجهة تطرّف مذهب آخر. كذلك فإنّ الحلف المعلن بمكّته المكرّمة وأزهره الشريف واسطمبوله العامرة يضع الدولة المعتدلة بدينها ودنياها في الصف الأول من المواجهة مع الارهاب بدلاً من حروب العصابات المتطرّفة باعتبارها الوصفة الأفضل للأحقاد والضغائن والانقسام بين أهل المذهب الواحد من جهة وبين مذهب وآخر يبحث أبطاله من الجهتين عن مزيد من الدم.  

لذلك فإنّ دور لبنان في هذه المعركة ليس قليلاً. لا نملك بالطبع القدرات العسكرية التي تملكها جيوش دول كمصر وتركيا ، لكننا نملك تلك التجربة النبيلة لتأسيس السلم بين الاديان والمذاهب. نملك تلك القدرة على إنتاج معنى أن يصيغ المختلفون اطراً لعيشهم الواحد كبشرٍ اولاً وقبل كل شيء. 

لو كان جبران بيننا لكان أشد المتحمّسين ولربما كان أسس لملحق نهار جديد يكون الرافعة الثقافية لحوار المذاهب والأديان في لبنان والمنطقة.

كم نفتقد عصب جبران وصلابة موقفه، لكننا نظلمه كثيراً ما لم نقل كم نفتقد عقلَك وحواريتَك وإيمانَك العميق أنه “في البدء كان الكلمة”. 

في النهاية أتوجه إلى العزيزة ميشيل، التي  تحدثت عن الأجهزة الأمنية وأفهم ألمها: هذا يا ميشيل حقّ لن يضيع، وفي يوم قريب تعلن كل الحقائق بكل الاغتيالات.

 

       عشتم وعاش لبنان 

 


برمجة مكتب المعلوماتية في مجلس الامن الداخلي المركزي          جميع الحقوق محفوظة ©      |  نبذة عنا  |  إتصل بنا  |  خريطة الموقع